بيان حقوقي إيراني ينتقد العقوبات والهجمات العسكرية ويدعو لجبهة دولية تحمي المدنيين
بيان حقوقي إيراني ينتقد العقوبات والهجمات العسكرية ويدعو لجبهة دولية تحمي المدنيين
أصدر مُقر حقوق الإنسان في إيران، ناصر سراج، بياناً مطولاً بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، ركز فيه على ضرورة التخلي عن النهج السياسي والانتقائي في التعامل مع حقوق الإنسان، والعودة إلى ما وصفه بالتنفيذ الحقيقي والنزيه وغير النفعي للالتزامات الدولية، وجاء البيان ليعيد التأكيد على مواقف إيران تجاه الأزمات الحقوقية في المنطقة والعالم، وليطرح رؤية تعتبر أنّ احترام القانون الدولي يبدأ بإزالة المعايير المزدوجة ومحاسبة كل من ينتهك الحقوق الأساسية دون استثناء.
تسييس الملف الحقوقي
شدد البيان على أن المجتمع الدولي اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تحرك قائم على معايير إنسانية موحدة، وأشار إلى أنّ الشعوب التي تواجه الضغوط السياسية والعقوبات، ومن بينها الشعب الإيراني، تتحمل تبِعات ممارسات وصفها البيان بغير القانونية، معتبراً أنّ كثيراً من الدول تستخدم حقوق الإنسان كأداة سياسية بدلاً من أن تكون إطاراً جامعاً للدفاع عن الكرامة الإنسانية.
استحضار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
وفي الذكرى السنوية للتصديق على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، دعا البيان الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى الالتزام الحقيقي بالمبادئ الواردة في المواثيق الدولية، ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واعتبر أن هذا الالتزام هو المدخل الصحيح لصون المساواة والكرامة المتأصلة لجميع البشر، كما أشار إلى أنّ ملايين الأشخاص حول العالم، وبينهم الإيرانيون والفلسطينيون، ما زالوا يعانون انتهاكات تُظهر الفجوة الكبيرة بين النصوص الحقوقية والواقع الميداني.
العقوبات وتأثيرها الإنساني
ركز بيان مقر حقوق الإنسان في إيران، بحسب ما أوردته وكالة مهر للأنباء اليوم الخميس، على الآثار الواسعة للعقوبات الدولية المفروضة على البلاد، والتي وصفها بأنها إجراءات أحادية وغير قانونية وتمثل انتهاكاً واضحاً لمبادئ عدم التدخل وحظر العقاب الجماعي، وأكد أن هذه العقوبات تعرقل وصول ملايين الإيرانيين إلى الأدوية والتجهيزات الطبية والخدمات المصرفية والتقنيات الأساسية، وأن انعكاساتها تمس الحقوق الأساسية مثل الحق في الصحة والتعليم والحياة الكريمة، كما استند البيان إلى تقارير صادرة عن المفوض السامي لحقوق الإنسان وعدد من المقررين الأمميين التي سبق أن انتقدت هذه التدابير القسرية، ودعا الدول التي ترفع شعارات حقوق الإنسان إلى الابتعاد عن الاستخدام الثنائي والسياسي لهذه الأدوات والتركيز على المعايير الإنسانية الشاملة.
إدانة الهجمات العسكرية على إيران
توقف البيان عند الهجوم العسكري الذي شنّته الولايات المتحدة وإسرائيل على إيران واستمر 12 يوماً، مؤكداً أن ذلك مثّل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ومبدأ عدم استخدام القوة كما ورد في المادة 2 الفقرة 4 من ميثاق الأمم المتحدة، ووصف الضربات التي طالت مناطق مدنية بأنها تجاوز خطير لمبادئ التناسب والضرورة العسكرية وحظر الهجمات العشوائية.
واعتبر أن هذا النوع من الاعتداءات لا يشكل تهديداً لإيران فحسب، بل يشكل تهديداً مباشراً للسلم والأمن الدوليين، كما شدد على ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذه الهجمات وفقاً لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكولين الإضافيين لعام 1977.
الحقوق الفلسطينية في قلب البيان
خصص البيان مساحة واسعة للحديث عن القضية الفلسطينية، واصفاً إياها بأنها واحدة من أكبر أزمات حقوق الإنسان في العصر الحديث، وأكد أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي وبناء المستوطنات وتدمير الممتلكات والاعتقالات الجماعية والحصار المفروض على غزة تمثل سلسلة من الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي الإنساني، كما أشار إلى أن حرمان الفلسطينيين من المساعدات الإنسانية واستهداف البنية التحتية وتطبيق سياسات تمييزية يهدد الحقوق الأساسية للمدنيين، وفي مقدمتها الحق في الحياة والحرية والصحة والعيش بكرامة، واعتبر البيان أن صمت المجتمع الدولي تجاه هذه الانتهاكات أو تقاعسه عن اتخاذ خطوات فاعلة يوفر غطاءً لاستمرار الأزمة وتعميقها.
دعوة إلى تحرك دولي شامل
وفي ختام بيانه، أكد مُقر حقوق الإنسان في إيران استعداده للتعاون مع الآليات الدولية والدخول في حوار بنّاء يهدف إلى تعزيز احترام حقوق الإنسان، وشدد على ضرورة الوقف الفوري للانتهاكات الواقعة على الشعب الإيراني، وإلغاء جميع الإجراءات القسرية الأحادية، ورفع الحصار المفروض على قطاع غزة بالكامل، إضافة إلى تقديم دعم فعال لجميع ضحايا الانتهاكات في مختلف المناطق، كما طالب بمحاسبة المسؤولين عن الهجوم العسكري الذي تعرضت له إيران، داعياً المجتمع الدولي إلى الالتزام بروح القانون الدولي بدل تحويل حقوق الإنسان إلى أداة ضغط سياسي.
يأتي هذا البيان في سياق نقاش عالمي متصاعد حول دور حقوق الإنسان في العلاقات الدولية، حيث تُتهم العديد من الدول باستخدام الملف الحقوقي كوسيلة للتأثير السياسي أو فرض العقوبات، بينما ترى أطراف أخرى أن الالتزام بالقانون الدولي يتطلب مساءلة جميع المنتهكين دون استثناء.
وتشهد إيران منذ أكثر من عقد ضغوطاً اقتصادية واسعة بسبب العقوبات الأمريكية والدولية، الأمر الذي ترك تأثيرات مباشرة على الاقتصاد والقطاعات الخدمية.
وعلى المستوى الإقليمي، يظل الوضع في فلسطين محوراً أساسياً في النقاشات الحقوقية، خاصة مع تكرار التقارير الأممية التي تشير إلى انتهاكات جسيمة في الأراضي المحتلة وتصف الحصار المفروض على غزة بأنه عقاب جماعي، وترافق هذه القضايا موجة من التوترات السياسية والعسكرية في المنطقة، ما يزيد من حساسية الخطاب الحقوقي ويضاعف الحاجة إلى جهود دولية حقيقية تعيد الاعتبار لمبدأ عالمية حقوق الإنسان بعيداً عن التجاذبات السياسية.
ويوافق اليوم العالمي لحقوق الإنسان العاشر من ديسمبر من كل عام، وهو مناسبة تعتمدها الأمم المتحدة لإحياء ذكرى تبني الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، ويُعد هذا اليوم فرصة لتسليط الضوء على القيم الأساسية التي تضمن كرامة الإنسان وحقه في الحرية والأمان والعدالة دون تمييز، كما يشكل مساحة لتقييم أوضاع الحقوق والحريات حول العالم ورصد الانتهاكات التي ما زالت مستمرة رغم مرور أكثر من سبعة عقود على صدور الإعلان، ويهدف هذا اليوم إلى تذكير الحكومات والمجتمعات بواجباتها في حماية الإنسان من التعذيب والاعتقال التعسفي والتمييز والعنف، وإلى دعم جهود المنظمات الحقوقية التي تعمل من أجل بناء عالم أكثر إنصافاً واحتراماً للحقوق الأساسية.











